كيف ندعم بعضنا البعض في المآسي: خمسة مبادئ

عميت بيرنشتاين

 هناك الكثير من العمل الآن لتأهيل العاملين في مجال الصحة النفسية لدعم الملايين الذين تأثّروا بشكل مباشر وغير مباشر بالفظائع التي وقعت في السابع من أكتوبر وبعده. ينطوي هذا العمل على أهمية قصوى، وهو وسيلة نُحقّق من خلالها إنسانيتنا. ولكن، يمكن للجميع - لكلّ واحد منا - أن يشارك في الحداد الجماعي والشفاء والتعافي في مجتمعنا. أودّ أن أشارك بعض المبادئ الأساسية لمساعدتنا جميعًا - أفراد الأسرة والأصدقاء والجيران وأعضاء المجتمع – في دعم بعضنا البعض في هذه الأيام الحزينة والمُظلمة. قبل كل شيء، يجب علينا أن نتذكر أن لدينا في طبيعتنا، في داخل كلّ واحد منا، كل ما هو مطلوب لدعم بعضنا البعض، وكلّ ما هو مطلوب للشفاء والتعافي. إليك خمسة مبادئ يمكن أن تساعدنا في دعم بعضنا البعض في المآسي في سبيل التعافي منها:

كن حاضرًا. كن حاضرًا مع كل من هم حولك، أولئك الذين يشعرون بالحزن، أو بالخوف، أو بالارتباك، أو بالغضب، أو بكلّ شعورٍ ينتابهم في هذه الأوقات. يمكن أن يتّخذ الحضور شكليْن أساسيّيْن.  الأوّل هو مجرّد أن يكون المرء حاضرًا جسديًا، ومتاحًا. والثاني يتضمن محاولة توجيه انتباهنا ووعينا إلى تفاعلاتنا مع الآخرين في اللحظة الحالية. بما معناه، أن تكون حاضرًا ليس جسديًا فحسب، بل أن تكون حاضرًا بشكل عاطفي أيضًا، ومتاحًا قدر الإمكان، في تلك اللحظة. من المهم أيضًا أن نتذكر أنه في مآسٍ مثل هذه المأساة، غالبًا ما يُشعِرُنا الحضور بالألم والاكتئاب. لذلك، يجب علينا أن نُلائمَ حضورَنا، كما لو كنا ندير مفتاح الراديو للأعلى أو للأسفل، إلى مستوى يشعرنا بالأمان على نحوٍ يسمح لنا بتحمله والاستمرار به.

أكِّد وطبعِن. من المهم تأكيد وتصديق وطبعنَة ما يشعر به الشخص - بغض النظر عن مدى الألم والصعوبة أو الرعب - فهو أمر طبيعي. ردًّا على مثل هذه المآسي، قد تشمل المشاعر والأفكار الحزن والألم، والخوف والقلق، والشعور بالذنب والعار، والغضب، أو عدم الاكتراث وحتى اللامبالاة. قد نشعر أيضًا بفقدان السيطرة، وعدم الاستقرار، أو حتى الخوف من ردود أفعالنا الخاصة. كل هذه الاستجابات هي استجابات انسانيّة طبيعية وصحيحة تمامًا. إنها الطريقة التي يستوعب بها الجسم والعقل مختلف التجارب، وخاصة الألم والفقدان. كل هذه الردود تعني ببساطة أنك إنسان حيّ وبصحة جيدة. إنها ردود تعكس ما يتعيّن على ذهنك وجسمك البشري أن يشعرا به بعد تجربة غير إنسانية.

تواصل بالتعاطف. في جوهر التواصل مع الآخرين، وخاصة التواصل لمساعدتنا في التعافي، يكمن الاستعداد لمشاركة الألم الذي نواجهه في الأشخاص الذين نسعى لدعمهم. عندما نتواصل مع الآخرين بالتعاطف، في وقت يعاني فيه الجميع (ونحن أيضًا)، تنبع الشفقة منا بشكل طبيعي. التعاطف هو مواجهة الألم – الموجود فينا جميعًا – بالحب واللطف. هذه الفكرة مهمة للغاية لأن إعطاء التعاطف واستقباله ببساطة هو بمثابة عملية تعافٍ، يمكن أن يكون أقوى وأنجع دواء بشري يمكن الوصول إليه. لحسن الحظ، لدينا جميعًا هذه القدرة الفطرية. نحنُ مُيسّرون للاتصال والعناية، والاستجابة للمعاناة بالتعاطف من خلال الاتصال.

جِد معنًى من خلال المبادرة بعمل ما. هناك العديد من الطرق التي يمكننا من خلالها دعم بعضنا البعض والمبادرة لعمل ما يكون وسيلة قوية ومتاحة للعثور على معنى، حتى في المآسي - خصوصًا في المآسي. هناك نوعان من المبادرات التي يمكن أن نقوم بها. الأوّل يشمل الاتصال بقيمك الشخصية – أي ما هو مهم بالنسبة لك – للعمل بطرق تمنح المرءَ إحساسًا بوجود معنًى لكلّ ما يحدث. على سبيل المثال، التطوع والعطاء لمن هم في حاجة، أو البحث عن أصدقاء وأفراد الأسرة للحديث أو التواصل معهم. النوع الثّاني من المبادرة هو، ببساطة، العمل من أجل أن نكون وكلاء نشطين في حياتنا، للشعور بالقوة، والعمل، والوجود. على سبيل المثال، يمكن أن يتضمن هذا النوع من المبادرة السلوكية البدء بروتين ما – مثل تناول وجبة الإفطار، أو التنزه، أو تنظيف أسنانك، أو الاستحمام. القيام بمبادرات، صغيرة كانت أو كبيرة، مؤقّتة أو مستدامة، هو وسيلة لممارسة الوجود، حتى في أظلم الأوقات. مع مرور الوقت، يكون إيجاد معنًى عنصرًا هامًّا من عناصر الشفاء والتعافي.

كن مستعدًّا لاستقبال الدعم. جزء أساسي من دعم الآخرين هو أيضًا تنمية استعدادنا الخاص لاستقبال الدعم من الآخرين. دعوا الآخرين يكونون حاضرين معنا، ويشاركون ألمنا، ويتواصلون معنا. من الصعب للغاية الاستمرار في الحضور، وتأكيد وتصديق وطبعَنة، والاتصال من خلال التعاطف، ومساعدة الآخرين على إيجاد معنى من خلال المبادرة، عندما لا نكون قادرين أو مستعدين لاستقبال الدعم والتعاطف، والرعاية. تمامًا كما هو الحال مع العطاء، فإننا مُيسَّرون فطريًّا لاستقبال الرعاية والتعاطف من خلال الاتصال. ولكن علينا أن نختار أن نكون على استعداد لاستقبال الدعم، حتى نتمكن من الاستمرار في العطاء والشفاء.